كان أحدهم مسافراً بأسرته في صحراء مترامية الأطراف، وإذا بعطل مفاجئ يحدث في سيارته، وقد حاول تشغيلها لكن دون جدوى، وجلس الرجل حائراً في أمره، ولم يمض وقت طويل حتى أوقف أحدهم سيارته، وترجل منها قائلاً: خير ما الذي حدث؟ وحاول معه مرة أخرى في تشغيل السيارة... ثم قال للرجل: هذه سيارتي أكمل سفرك فيها مع أسرتك، وأنا أجلس هنا عند سيارتك حتى ترسل لي سطحة من مدينتك نحمل عليها سيارتك.
قال صاحبنا: هذا غير معقول، لأنه يعني أنك ستجلس هنا قرابة عشر ساعات.
قال الرجل: لا بأس أنا شخص، وأنتم عائلة! وأخذ صاحبنا سيارة الرجل الشهم ورقم هاتفه ومضى، وفي صباح اليوم التالي وضع سيارته في ورشة الإصلاح، وأعاد السيارة الأخرى إلى صاحبها.
ومرت الأيام، وتذكر صاحب السيارة المعطوبة المعروفَ الذي صنعه معه صاحبه، فإتصل عليه ليسأل عنه، فقالت زوجته: هو في السجن، وذكرت له إسم السجن، وفهم منها أنه سُجن بسبب الديون التي عليه.
وفي اليوم التالي أخذ الرجل معه مئة ألف ريال وذهب إلى السجن وأعطاها لضابط السجن، وقال: هذه لقضاء ديون فلان وإخراجه من عندكم، قال الضابط: من أنت؟ قال له: لا داعي لأن أذكر لك اسمي، ومضى.
بعد عشرين يوماً اتصل ببيت صاحبه ليطمئن عليه فقالت له زوجته: مازال في السجن.
فما كان منه إلا أن سارع إلى السجن، وسأل الضابط عن سبب عدم إطلاق سراح صاحبه، فقال: الدين الذي عليه ثلاثة ملايين وليس مئة ألف، ثم أردف قائلاً: أنا حائر في أمري ممن أتعجب، هل أتعجب منك حين جئت بمئة ألف ريال دون أن تذكر اسمك؟ أو أتعجب من صاحبك السجين حين قال لي: المئة ألف لن تصنع لي شيئاً، فأرجو أن تطلق بها سراح بعض زملائي المسجونين ممن عليه خمسة آلاف وعشرة آلاف وقد أطلقت بها فعلاً اثني عشر مسجوناً.
قال صاحبنا: خير إن شاء الله. وغاب قرابة شهر ثم عاد وقد جمع الملايين الثلاثة من مدخراته ومن بعض المحسنين، وأطلق بها سراح صاحب المروءة.
هذه القصة واحدة من قصص كثيرة يتحدث عنها الناس، وهي دليل على أن البذل في سبيل الله وعون الآخرين لا يذهب هباءً، بل إن جزاءه كثيراً ما يكون سريعاً جداً وبأضعاف مضاعفة ولاغرابة في هذا، فالمتصدق يتعامل مع من إتصف بالرحمة والكرم والغنى، وهو جل وعلا تعهد في كتابه وعلى لسان نبيه بأن يخلف على الباذلين من أجله.
المصدر: موقع الدكتور عبد الكريم بكار.